.جردوها من ملا بسها بل من كل شي ثمحملوها إلى مكان مظلم
شدوا وثاقها .. وحرموها حواسها ... وشعرتبأنها موضوعة على ما يشبه الهودج .. في ارتفاعه وحركته ...
سمعت صوتحبيبها وسطهم .. ماله لا يعنفهم ... ماله لا يمنعهم من أخذها ...
صوت الخطوات الرتيبة تمشي على تراب خشن ... ونسائم فجرية باردةتلامس ثيابها البيضاء .. ورغم أنها لا ترى الا أنها تخيلت الجو من حولها ضبابيا ... وتخيلت الأرض التي هي فيها الآن أرضا خواء مقفرة ..
أخيرا توقفتالخطوات دفعة واحدة وأحست بأنها توضع على الأرض .. وسمعت الى جوارها حجارة ترفعوأخرى توضع .. ثم حملت ثانية .. وشاع السكون من حولها ... وأحست بالظلام ينخرعظامها ...
ومن أعلى تناهى لسمعها صوت نشيج ... انه ابنها .. نعم هو ... لعله آت لانقاذها
لكن ... ماذا تسمع انه يناديها بصوت خفيض : أمي ..
ومن بين الدموع يتحدث زوجها اليه قائلا :
تماسك ... انما الصبر عند الصدمة الأولى ... ادع لها يا بني ... هيا بنا ..
غلبته غصة .... وألقى نظرة أخيرة على الجسد المسجى ... فلم يتمالك نفسه أن قال بصوت يقطر ألما : لا اله الا الله ... لا اله الا لله .... انا لله وانا اليه راجعون ..
كان هذاآخر ما سمعته منه .. ثم دوى صوت حجر رخامي يسقط من أعلى ليسد الفتحة الوحيدة التيكانت مصدر الصوت والنور ....... والحياة ..
صوت الخطوات تبتعد ... الى أين أين تتركوني كيف تتخلوا عني في هذه الوحدة وهذه الظلمة
نظرتحولها فاذا هي ترى ....... ترى
أي شيء تستطيع أن تراه في هذاالسرداب الأسود
ان ظلمته ليست كظلمة الليل الذي اعتادته .... فذاكيرافقه ضوء القمر .. وشعاع النجوم ..
فينعكس على الأشياء والأشخاص ..
أما هنا فانها لا تكاد ترى يدها ... بل انها تشعر بأنها مغمضةالعينين تماما ..
تذكرت أحبتها وسمعت الخطوات قد ابتعدت تماما فسرترعدة في أوصالها ونهضت تبغي اللحاق بهم ... كيف يتركونها وهم يعلمون أنها تهابالظلام والوحدة
لكن يدا ثقيلة أجلستها بعنف ..
حدقتفيما خلفها برعب هائل ... فرأت ما لم تره من قبل ... رأت الهول قد تجسد في صورةكائن ... لكن كيف تراه رغم الحلكة
قالتبصوت مرتعش : من أنت
فسمعت صوتا عن يمينها يدوي مجلجلا : جئنا نسألك ....
التفت .. فاذا بكائن آخر يماثل الأول ..
صمتتفي عجز ... تمنت أن تبتلعها الأرض ولا ترى هؤلاء القوم .... لكنها تذكرت أن الأرضقد ابتلعتها فعلا ..
تمنت الموت لتهرب من هذا الواقع الذي لامفر منه ... فحارت لأمانيها التي لم تعد صالحة ... فهي ميتة أصلا ..
- من ربك
- هاه ..
- من ربك
- ربي .. ما عبدت سوى الله طول حياتي ..
- ما دينك
- ديني الاسلام ..
- من نبيك
- نبيي .......
اعتصرت ذاكرتها ... ما بالها نسيت اسمه ألم تكن تردده علىلسانها دائما ألم تكن تصلي عليه في التشهد خمس مرات يوميا
بصوت غاضبعاد الصوت يسأل :
- من نبيك
- لحظة أرجوك ... لا أستطيع التذكر ..
ارتفعت عصا غليظة في يد الكائن ... وراحت تهوي بسرعة نحو رأسها .. فصرخت ... وتشنجت أعضاؤها ... وفجأة أضاء اسمه في عقلها فصرخت بأعلى صوتها :
- نبيي محمد ... محمد ...
ثم أغمضت عينيها بقوة ... لكن ..
لم يحدث شيء .. سكون قاتل ..
فتحت عينيها مستغربة فقال لها الكائن الذي اسمه نكير : أنقذتكدعوة كنت ترددينها دائما ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )
سرت قشعريرة في بدنها .. أرادت أن تبتسم فرحة ... لكنها لمتستطع ... ليس هذا موضع ابتسام .... يا ربي متى تنتهي هذه اللحظات القاسية ..
بعد قليل قال لها منكر : أنت كنت تؤخرين صلاة الفجر .....
اتسعت عيناها ... عرفت أنه لا منجى لها هذه المرة ... لأنه لميجانب الصواب ... دفعها أمامه ... أرادت أن تبكي فلم تجد للدموع طريقا ... سارتأمام منكر ونكير في سرداب طويل حتى وصلت الى مكان أشبه بالمعتقلات ...
شعرت بغثيان ... وتمنت لو يغشى عليها ... لكن لم يحدث ..
فاستمرت في التفرج على المكان الرهيب ...
في كلبقعة كان هناك صراخ ودماء .. عويل وثبور ... وعظام تتكسر .. وأجساد تحرق ... ووجوهقاسية نزعت من قلوبها الرحمة فلا تستجيب لكل هذا الرجاء ..
دفعهاالملكان من خلفها فسارت وهي تحس بأن قدميها تعجزان عن حملها ... واذا بها تقترب منرجل مستلق على ظهره .. وفوق رأسه تماما يقف ملك من أصحاب الوجوه الباردة الصلبه ... يحمل حجرا ثقيلا ... وأمام عينيها ألقى الملك بالحجر على رأس الرجل ... فتحطموانخلع عن جسده متدحرجا ... صرخت .. بكت .. ثم ذهلت ذهولا ألجم لسانها ..
وسرعان ما عاد الرأس الى صاحبه .. فعاد الملك الى اسقاط الصخرةعليه ...
هنا .. قيل لها :
- هيا .. استلقي الى جوار هذاالرجل ..
- ماذا
- هيا ..
دفعت في عنف .. فراحت تقاوم .. وتقاوم .. وتقاوم .. لا فائدة .. ان مصيرها لمظلم .. مظلم حقا ..
استلقت والرعب يكاد يقطع أمعاءها .. استغاثت بربها فرأتأبواب الدعاء كلها مغلقة .. لقد ولى عهد الاستغاثة عند الشدة ... ألا ياليتها دعتفي رخائها .. ياليتها دعت في دنياها .. ليتها تعود لتصلي ركعتين .. ركعتين فقط .. تشفع لها ..
نظرت الى الأعلى فرأت ملكا منتصبا فوقها ... رافعا يدهبصخرة عاتية يقول لها :
- هذا عذابك الى يوم القيامة ... لأنك كنتتنامين عن فرضك ...
ولما استبد اليأس بها ... رأت شابا كفلقة القمر يحث الخطى الى موضعها .. ساورها شعور بالأمل ... فوجههيطفح بالبشر وبسمته تضيء كل شيء من حوله ..
وصل الشاب ومد يديه يمنعالملك ...
فقال له :
- ما جاء بك
- أرسلت لها ... لأحميها وأمنعك
- أهذا أمر من الله عز وجل
- نعم ..
لم تصدق عيناها ... لقد ولى الملك ... اختفى .. وبقي الشاب حسن الوجه .. هل هي في حلم
مد الشاب لها يده فنهضت .. وسألته بامتنان :
- من أنت
- أنا دعاء ابنك الصالح لك ... وصدقته عنك .. منذ أنمت وهو لا ينفك يدعو لك حتى صور الله دعاءه في أحسن صورة وأذن له بالاستجابةوالمجيء الى هنا ..
أحست بمنكر ونكير ثانية ... فالتفتت اليهما فاذابهما يقولان :
انظري .. هذا مقعدك من النار ... قد أبدله اللهبمقعدك من الجنة ..
(( وولد صالح يدعو له ))
************ *****
عسى الله ان يمنع عنك عذاب القبر و انيرزقك بدعوة صالحة
تنقذك من يد ملائكة العذاب